سورة النجم - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النجم)


        


{ولله ما في السموات وما في الأرض} وهذه إشارة إلى كمال قدرته وغناه وهو معترض بين الآية الأولى وبين قوله: {ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا}.
والمعنى: إذا كان أعلم بهم جازى كل أحد بما يستحقه فيجزي الذين أساؤوا أي أشركوا بما عملوا من الشرك {ويجزي الذين أحسنوا} أي وحدوا ربهم {بالحسنى} يعني الجنة وإنما يقدر على مجازاة المحسن والمسيء إذا كان كثير الملك كامل القدرة فلذلك قال ولله ما في السموات وما في الأرض ثم وصف المحسنين فقال عز وجل: {الذين يجتنبون كبائر الإثم} قيل: الإثم، الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب وقيل: هو اسم للأفعال المبطئة عن الثواب، وقيل: هو فعل ما لا يحل وقيل: الإثم جنس يشتمل على كبائر وصغائر وجمعه آثام والكبيرة متعارفة في كل ذنب تعظم عقوبته وجمعه كبائر {والفواحش} جمع فاحشة، وهي ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال وقيل: هي ما فحش من الكبائر {إلا اللمم} أي إلا ما قل وصغر من الذنوب وقيل: هي مقاربة المعصية من قولك ألممت بكذا إذا قاربته من غير مواقعة واختلفوا في معنى الآية فقيل هذا استثناء صحيح واللمم من الكبائر والفواحش ومعنى الآية: إلا إن يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب أو يقع الوقعة ثم ينتهي وهو قول أبي هريرة ومجاهد والحسن ورواية عن ابن عباس. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: اللمم ما دون الشرك. وقال أبو صالح: سئلت عن قول الله عز وجل إلا اللمم فقلت: هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده فذكرت ذلك لابن عباس فقال: أعانك عليها ملك كريم. عن ابن عباس في قوله عز وجل: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم}. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن تغفر اللهم تغفر جماً وأي عبد لك لا ألما» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب وقيل: أصل اللمم والإلمام ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين ولا يكون له إعادة ولا إقامة وقيل: هو استثناء منقطع مجازه لكن اللمم ولم يجعل اللمم من الكبائر والفواحش ثم اختلفوا في معناه فقيل هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم به في الإسلام وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين: إنهم كانوا بالأمس يعملون معنا فأنزل الله عز وجل هذه الآية وهذا قول زيد بن ثابت وزيد بن سلم. وقيل: اللمم هو صغار الذنوب كالنظرة والغمزة والقبلة ونحو ذلك مما هو دون الزنى وهو قول ابن مسعود وأبي هريرة ومسروق والشعبي والرواية الأخرى عن ابن عباس.
(ق) عن ابن عباس قال: «ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه».
ولمسلم قال: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى مدرك ذلك لا محالة العينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» وقيل: اللمم على وجهين، أحدهما أنه كل ذنب لم يذكر الله تعالى عليه حداً في الدنيا ولا عذاباً في الآخرة فذلك الذي تكفره الصلوات الخمس وصوم رمضان ما لم يبلغ الكبائر والفواحش.
والوجه الثاني: هو الذنب العظيم يلم به المسلم المرة بعد المرة فيتوب منه وقيل: هو ما لم على القلب أي خطر وقيل: اللمم النظرة من غير عمد فهو مغفور فإن أعاد النظر فليس بلمم فهو ذنب والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في بيان الكبيرة وحدها وتمييزها عن الصغيرة:
قال العلماء: أكبر الكبائر الشرك بالله وهو ظاهر لا خفاء به لقوله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} ويليه القتل بغير حق فأما ما سواهما من الزنا واللواط وشرب الخمر وشهادة الزور وأكل مال اليتيم بغير حق والسحر وقذف المحصنات وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وأكل الربا وغير ذلك من الكبائر التي ورد بها النص فلها تفاصيل وأحكام تعرف بها مراتبها ويختلف أمرها باختلاف الأحوال والمفاسد المرتبة عليها. فعلى هذا يقال في كل واحدة منها، هي من أكبر الكبائر بالنسبة إلى ما دونها.
وقد جاء عن ابن عباس أنه سئل عن الكبائر أسبع هي قال هي إلى السبعين أقرب.
وفي وراية إلى سبعمائة أقرب وقد اختلف العلماء في حد الكبيرة وتمييزها عن الصغيرة فجاء عن ابن عباس: كل شيء نهى الله عنه فهو كبيرة. وبهذا قال الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني وحكاه القاضي عياض عن المحققين واحتج القائلون بهذا بأن كل مخالفة فهي بالنسبة إلى جلال الله كبيرة وذهب الجماهير من السلف والخلف من جميع الطوائف إلى انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر وقد تظاهرت على ذلك دلائل الكتاب والسنة واستعمال سلف الأئمة. وإذا ثبت انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر، فقد اختلف في ضبطها، فروي عن ابن عباس أنه قال: الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب وعن الحسن نحو هذا وقيل: هي ما وعد الله عليه بنار في الآخرة وأحد في الدنيا. وقال الغزالي: في البسيط الضابط الشامل في ضبط الكبيرة أن كل معصية يقدم عليها المرء من غير استشعار خوف أو استحداث ندم كالمتهاون في ارتكابها والمستجرئ عليها اعتياداً فما أشعر بهذا الاستخفاف والتهاون فهو كبيرة وما تحمل عليه فلتات النفس وفترة مراقبة التقوى ولا ينفك عن ندم يمتزج به تنغيص التلذذ بالمعصية فهذا لا يمنع العدالة وليس بكبيرة.


{أفرأيت الذي تولى} نزلت في الوليد بن المغيرة كان قد اتبع النبي صلى الله عليه وسلم على دينه فغيره بعض المشركين وقالوا: أتركت دين الأشياخ وضللت. قال: إني خشيت عذاب الله فضمن له الذي عاتبه إن أعطاه كذا من ماله ورجع إلى الشرك أن يتحمل عنه عذاب الله فرجع الوليد إلى الشرك وأعطى للذي عيره بعض الذي ضمن له من المال ومنعه تمامه فأنزل الله أفرأيت الذي تولى يعني أدبر وأعرض عن الإيمان {وأعطى} يعني لصاحبه الذي عيره {قليلاً وأكدى} أي بخل بالباقي. وقيل: أعطى قليلاً يعني من الخير بلسانه وأكدى يعني قطعه وأمسك ولم يعم بالعطية.
وقيل: نزلت في العاص بن وائل السهمي وذلك أنه كان ربما يوافق النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور.
وقيل: نزلت في أبي جهل وذلك أنه قال والله ما يأمرنا محمد إلا بمكارم الأخلاق فذلك قوله: {وأعطى قليلاً وأكدى} يعني لم يؤمن به ومعنى الآية أكدى يعني قطع وأصله من الكدية وهي حجر يظهر في البئر يمنع من الحفر {أعنده علم الغيب فهو يرى} أي ما غاب عنه يعني أن صاحبه يتحمل عنه عذابه {أم لم ينبأ} يعني يخبر {بما في صحف موسى} يعني أسفار التوراة.


{وإبراهيم} يعني ويخبر بما في صحف إبراهيم {الذي وفى} يعني كمل وتمم مما أمر به وقيل: عمل بما أمر به وبلغ رسالات ربه إلى خلقه وقيل وفى فرض عليه وقيل قام بذبح ولده وقيل استكمل الطاعة. وقيل: وفى بما فرض عليه في سهام الإسلام وهو قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} والتوفية الإتمام. وقيل: وفي شأن المناسك. وروى البغوي بسنده عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم الذي وفى عمله كل يوم بأربع ركعات أول النهار.
عن أبي الدرداء وأبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب ثم بين ما في صحفهما فقال تعالى: {ألا تزر وازرة وزر أخرى} أي لا تحمل نفس حاملة حمل نفس أخرى. والمعنى: لا تؤخذ نفس بإثم غيرها. وفي هذا إبطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة أن يحمل عنه الإثم. وقال ابن عباس: كانوا قبل إبراهيم يأخذون الرجل بذنب غيره كان الرجل يقتل بقتل أبيه وابنه وأخيه وامرأته وعبد ه حتى كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام فنهاهم عن ذلك وبلغهم عن الله تعالى: {ألا تزر وازرة وزر أخرى} {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} أي عمل وهذا في صحف إبراهيم وموسى أيضاً قال ابن عباس هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة بقوله تعالى: {ألحقنا بهم ذريتهم} فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء وقيل كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى فأما هذه الأمة فلها ما سعوا وما سعى لهم غيرهم لما روي عن ابن عباس «أن امرأة رفعت صبياً لها فقالت يا رسول الله ألهذا حج؟ قال نعم ولك أجراً» أخرجه مسلم وعنه «أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال نعم».
وفي رواية أن سعد بن عبادة أخا بني سعد وذكر نحوه وأخرجه البخاري وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «إن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال نعم.» أخرجاه في الصحيحين. وفي حديث ابن عباس دليل لمذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزيه عن حجة الإسلام بل يقع تطوعاً. وقال أبو حنيفة: لا يصح حجه وإنما يكون ذلك تمريناً للعبادة. وفي الحديثين الآخرين دليل على أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها.

1 | 2 | 3 | 4